الاسناد: متفق عليه
الدرجة: صحيح
المصدر: صحيح البخاري، المحقق : محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى 1422هـ. صحيح مسلم بن الحجاج، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. القول المفيد على كتاب التوحيد، للشيخ محمد بن صالح العثيمين دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، محرم 1424هـ. الملخص في شرح كتاب التوحيد، للشيخ صالح الفوزان دار العاصمة الرياض، الطبعة: الأولى 1422هـ- 2001م. الجديد في شرح كتاب التوحيد، للشيخ محمد بن عبد العزيز القرعاوي، مكتبة السوادي، جدة، المملكة العربية. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد علي بن محمد بن علان، ط4، اعتنى بها: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، 1425 هـ.
التفسير
يُخْبِرُ صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة من بني إسرائيل أُصِيب كلٌّ منهم بعَاهَةٍ في الجسم، وفقر من المال، وهم: أبرص: به مرض ولون مختلف في جلده، وأقرع: ذهب شعر رأسه أو بعضه، وأعمى؛ فأراد الله أن يختبرهم ويمتحن إيمانهم وشكرهم؛ فأرسل إليهم ملكاً في صورة إنسان. فأتى الملك إلى الأبرص، وقدَّم الأبرص لأن داءه أقبح وأشنع وأعظم، فقال له: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، وأن يذهب عني الداء الذي قد تباعد عني الناس بسببه، ولم يقتصر على طلب اللون الحسن؛ لأن جلد البرص يحصل له من التقلص والتشنج والخشونة ما يزيد به قبح صاحبه وعارِهِ. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو قال البقر. شك الراوي هل سمع الإبل أو البقر، والمرجح الإبل لكونه اقتصر عليها في قوله: فأعطي ناقة حاملًا أتى عليها من حملها عشرة أشهر من يوم أحملها، وهي من أنفس الإبل، وقال: بارك الله لك فيها. وقد استجيب دعاؤه كما في تتمة الحديث. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا القرع الذي قد كرهني الناس بسببه. قال: فمسحه الملك، إما محل الداء فقط وهو الأقرب، أو جميع بدنه لتعمه بركته؛ فذهب عنه القرع وأعطى شعراً حسناً، قال الملك له: فأيّ المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً. وقال: بارك الله لك فيها. وقد استجيب دعاؤه كما في تتمة الحديث. قال: فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يرد الله إليّ بصري فأُبصربه الناس، قال: فأمرّ يده على عينيه، ويحتمل على جميع بدنه، والأول أقرب كما تقدم، فردّ الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة ذات ولد، وقيل حاملاً، فتولى صاحبا الإبل والبقر ولادتها، وكذلك صاحب الغنم. فكان لهذا واد مليءٌ من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إن الملك أتى الأبرص متصوراً في صورته التي كان عليها، وهيئته من رذالة الملبس ونحوها، فجاءه بعد أن صار معافى غنياً في الصورة التي قد جاءه فيها أول مرة، فقال: رجل مسكين محتاج، قد انقطعت بي الأسباب والوسائل في طلب الرزق في سفري؛ فلا وصول لي للمكان الذي أريده اليوم إلا بالله ثم بك لكونك مظهراً للخير غنيًّا، وهذا من الملك من المعاريض التي يقصد بها التوصل إلى إفهام المقصود من غير أن يراد حقيقتها. وقال: أقسم عليك مستعطفاً بـالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعد الابتلاء بالفقر والمرض بعيراً واحدًا أكتفي به في سفري. فقال الأبرص: الحقوق كثيرة عليَّ، فلا يوجد فاضل عن الحاجة لأعطيك إياه فانظر غيري. فقال الملك: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يكرهك الناس؛ فعافاك الله، فقيراً فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال عن أبي وجدي. وحاصله إنكار تلك الحال السيئة ودعوى أنه نشأ في تلك الأحوال الحسنة، فهي غير متجددة عليه، وهذا من إنكار النعم وكفر المنعم، حمله عليه البخل. فقال الملك: إن كنت كاذباً في دعواك فصيَّرك الله وردك إلى الحالة التي كنت عليها. قال: وأتى الأقرع في صورته التي يقذرها الناس وهيئته التي يحقرونها لرثاثتها، فإنه مع كونه أتى له في صورته وهيئته التي أتاه عليها أولاً وحصل له منه ما حصل من الشفاء والغنى أنكر معرفته وتجاهل به وتفاخر عليه بأنه إنما جاءه المال من أبيه، فضم إلى كذبه قبائح تنبىء عن أنه انتهى في اللؤم والحمق إلى غاية لم يصلها غيره. فقال له الملك مثل ما قال للأبرص وردّ الأقرع عليه مثل ما ردّ الأبرص. فقال الملك: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه من القرع والفقر. قال: وأتى الأعمى متشكلاً في صورة آدمي أعمى وفي هيئته الأولى، فقال الملك: رجل مسكين وابن سبيل -أي: مسافر- انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاةً أتبلغ -أي: أكتفي- بها في سفري. فقال ذلك الرجل متذكراً نعم الله تعالى عليه وحسن حاله بعد بؤسه: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري فخذ ما شئت من المال ودع ما شئت منه، فوالله لا أشق عليك اليوم في ردّ شيء أخذته، فقال الملك: أمسك مالك فإنما امتحنتم وعاملكم الله العالم بجميع الأمور معاملة المختبِر؛ ليترتب على عملكم أثره، إذ الجزاء إنما جعله الله مرتباً على ما يبدو في عالم الشهادة لا على ما سبق في علمه، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك الأبرص والأقرع.