الاسناد: رواه البخاري
الدرجة: صحيح
المصدر: صحيح البخاري، نشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422ه. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، لعبد الله بن محمد الغنيمان، الناشر: مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1405 هـ.
التفسير
جاء زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو زوجه زينب بنت جحش رضي الله عنها ويستشيره في طلاقها؛ وقد أوحى الله تعالى إلى رسوله بأنه سوف يتزوج زينب، أوحى الله بذلك إليه قبل أن يطلقها زيد، فلما جاء يشكوها إليه، ويستشيره في طلاقها، قال له: «اتق الله يا زيد، وأمسك عليك زوجك» فعاتبه الله تعالى بقوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية. والذي كان صلى الله عليه وسلم يخفيه، هو كراهيته لزواجها؛ خوفاً من كلام الناس أنه تزوج زوجة ابنه بالتبني قوله: «قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه» أي: لو قُدِّر على سبيل الفرض الممتنع شرعا كتم شيء من الوحي، لكان في هذه الآية، ولكنه غير واقع بل ممتنع شرعا. وهذه الآية من أعظم الأدلة لمن تأملها على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يخبر عما وقع في نفسه من خشية الناس، فبلَّغه كما قال الله تعالى مع ما تضمنه من لومه، بخلاف حال الكذاب، فإنه يتجنب كل ما يمكن أن يكون فيه عليه غضاضة، ومثل ذلك قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} إلى آخر الآيات ونظائرها في القرآن. وقوله: «فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم» فزينب رضي الله عنها تعتد بأن زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم كان بأمر الله له بذلك، وأنه من أعظم فضائلها، وأنه لا يساويها في ذلك من أزواجه أحد، فكانت تقول: «زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات» وهذا القدر من الحديث فيه ثبوت علو الله تعالى وتقرُّره لدى المؤمنين، فهو أمر مسلَّم به بين عموم المسلمين، بل بين عموم الخلق إلا من غُيِّرت فطرته، فهو من الصفات المعلومة بالسمع، والعقل، والفطرة، عند كل من لم تنحرف فطرته. ومعنى قولها: «وزوجني الله» أي: أمر رسوله بأن يتزوجها بقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا} وتولى تعالى عقد زواجها عليه.